كسوة الكعبة المشرفة الداخلية

من الصعب تحديد السنة التي وضعت فيها كسوة الكعبة الداخلية ، إلا أنه بالتتبع والاستقراء في المصادر التاريخية نجد أن ثمة إشارة لوجودها في العصر العباسي الثاني ، إذ يشير العالم الرحالة ابن جبير في رحلته التي قام بها إلى مكة المكرمة للحج سنة 579هـ أنه حظي بالدخول إلى الكعبة ، ولم يكن ذلك ممنوعاً على الناس ، ووصف مراسم الدخول إليها ، وتفاصيل مشاهداته فيها ، وأشار إلى وجود ستارة لسقف الكعبة من الداخل سنة 579هـ فقال : «وسقف البيت مجلل بكساء من الحرير الملون» ، وهذه أول إشارة لكسوة داخلية عثرنا عليها في المصادر التاريخية ، والله أعلم .
وفي الوقت الذي أشار فيه المؤرخون إلى الكسوة الخارجية منذ عصور الجاهلية إلى وقتنا الحاضر ، لا نجد أية إشارة إلى الكسوة الداخلية ، إلا ما ندر، وقد كانت على فترات متباعدة ، ولعل هذا يرجع إلى أن الكسوة الداخلية محفوظة داخل الكعبة لا تتعرض لعوامل التعرية ، فلا يصل إليها الغبار أو التراب ولا المطر ولا الشمس ، فهي لا تبلى إلا بعد مرور زمن طويل عليها ، ومن ثم فلا تكسى الكعبة من داخلها إلا على فترات متباعدة جدًّا أو بمناسبة تولي ملك أو سلطان عرش دولته ، هذا بخلاف الكسوة الخارجية التي كانت تكسى بها الكعبة المشرفة كل عام وأحيانًا تكسى مرتين أو ثلاثًا في العام الواحد .
ونجد إشارة تاريخية إلى كسوة داخلية للكعبة المشرفة كساها الملك المظفر صاحب اليمن سنة 659هـ .
وظلت مئة سنة إلى أن كساها الملك الناصر حسين بن محمد بن قلاوون سنة 761هـ .
وبقيت هذه الكسوة إلى أن كساها السلطان الأشرف برسباي سنة 826هـ ، ثم استمرت إلى أن أرسل سلطان العجم شاه روخ بن تمرلنك كسوة داخلية سنة 848هـ ، بعد أن استأذن السلطان الظاهر جقمق ، فكسيت بها مع كسوة الأشرف برسباي .
ثم نزعتا من داخل الكعبة ، وكسيت بكسوة جديدة ، أمر بها السلطان الظاهر جقمق سنة 856هـ.
واستمر سلاطين مصر طوال العصر المملوكي يرسلون الكسوة الداخلية كلما اعتلى عرش مصر سلطان جديد.
وفي سنة 883هـ أرسل السلطان الأشرف قايتباي كسوة داخلية للكعبة .
وفي العصر العثماني أوقف السلطان سليمان المشرف كسوة داخلية للكعبة المشرفة مرة كل خمسة عشر عامًا . هذا بالإضافة إلى ما اختص سلاطين آل عثمان أنفسهم بإرسال كسوة داخلية كلما اعتلى أحدهم عرش الدولة العثمانية، وظلت مصر تقوم بصناعة الكسوتين الخارجية والداخلية إلى عام 1118هـ ، حيث أمر السلطان أحمد الثالث بن محمد الرابع بحياكة كسوة الكعبة الداخلية في استانبول ، ومنذ ذلك الوقت اختصت استانبول بحياكة الكسوة الداخلية للكعبة.
واسـتمر الحال هكذا إلى عهد السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود الثاني الذي أرسل كسوة داخلية عام 1277هـ .
وبقيت داخل الكعبة حتى بسط الملك عبد العزيز آل سعود سلطانه على الحجاز ، حيث أمر رحمه الله باستبدال الكسوة العثمانية بكسوة أخرى ، أرسلها سلطان البهرة بالهند عام 1355هـ. ثم أمر رحمه الله بصنع كسوة جديدة ، وتم تركيبها عام 1363هـ.
وقد ظلت هذه الكسوة حتى أمر الملك خالد بن عبد العزيز بصنع كسوة داخلية جديدة بمصنع الكسوة بأم الجود بمكة المكرمة ، وتم تركيبها عام 1403هـ في عهد الملك فهد رحمه الله .
واستبدلت في عام 1408هـ بكسوة أخرى جديدة صنعت أيضًا بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود .
وأخيرًا وبعد أن تم ترميم الكعبة ترميمًا شاملاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – طيب الله ثراه - استبدلت الكسوة القديمة بأخرى جديدة ، وكان ذلك عام 1417هـ .
زركشة الكسوة الداخلية للكعبة :
ونذكر شيئًا عن زركشة الكسوة الداخلية للكعبة المشرفة وذلك لندرة من يراها ، فأقول : إنه لم يكن هناك اهتمام بزركشتها بالمخيشات الذهبية أو الفضية بقدر الاهتمام بنوعية الحرير الذي تصنع منه أو لونه ، فقد كان غالبًا من الحريـر الأحمر حتى آخر كسوة كانت من سلطان البهرة .
وفي عهد الملك خالد رحمه الله أمر بصنع كسوة داخلية وأمر بتغيير لونها إلى الأخضر ، وقد كسيت بها الجدران الداخلية للكعبة بعد موته رحمه الله ، وذلك في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله ، واستمر لونها أخضر بعد ذلك .
كُتب عليها ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) دالات في قلب دالات ، وقد تزاد في حواشي تلك الدالات آيات أخرى مناسبة ، أو تترك تلك الحواشي خالية بحسب ما يؤمر به النساج ، ولم نجد في المصادر التاريخية ما يدل على زركشتها بالذهب إلا مرتين : إحداهما في العصر المملوكي سنة 761هـ، والثانية في سنة 865هـ.